أزمـةُ مسـاء ...!!

” الساخر كوم ”

قبل البدء :
حديث العابرين ..
كسرة خبز يابسة ..
يلهو بها طفل لم يجرب الجوع بعد !!

حين همّت شمس ذلك اليوم بالرحيل لا أعلم مالذي دفعني لتأمل وجهها الشاحب على غير عاتي !!
لا استمتع كثيراً بمنظر الغروب ، فلدي من الاحباط ما يكفي ..
أعاني من خمول وكسل وعدم رغبة في القيام بأي شيء ، أحن إلى نفسي كثيراً في ساعات الغروب .. شعور ليس له ما يبرره سوى ” أني لا أحب الآفلين ” !!
حين تأملت وجه الشمس ـ الذي بدا عليه الإرهاق الذي يسببه النظر إلى الأشياء التي لا نحب ـ أشفقت عليها ..
مسكينه هي الشمس .. كانت مجبرة على مشاهدة كل تفاصل ذلك اليوم الممل !
رأيت الإرهاق وربما رايت ابتسامة ساخرة !!
ربما لم تكن هذه الصفرة والشحوب سوى ابتسامة ساخرة مني ومما ينتظرني على رصيف ذلك المساء القادم بعد غيابها ..!

كأعمى ..
تقودني ساعات ذلك المساء نحو الهاوية ..
أحس برغبة جامحة في افتعال شجار مع أحدهم ..
لم يكن هنالك سواه .. هو من سيحقق رغبتي في تمرير سخطي من شيء قادم لا أعرفه !!
حاولت الاتصال به دون جدوى ..
رايت في عدم إجابته سببا مقنعاً لشجار مقبل سأفتعله !!
لم يمهلني طويلاً واتصل هو .. ودون مقدمات أعتدت عليها فاجأني :
– ممكن طلب ؟
وكمن وجد مدخلاً لتحقيق أمنية أجبته :
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته !
حين سألني بدا واضحاً أنه لن ينتظر موافقتي .. نحن في الغالب نمرر رغباتنا عبر الأسئلة التي لا ننتظر إجابتها !!
حين نريد أن نبين شرعية ما نطلبه من الآخر فإننا نمرر له هذا الطلب على شكل سؤال أحمق !!

لم أجب .. ولم ينتظر هو إجابتي حين قال :
– أرجو ألا تتصل بي هذا المساء !!
كنت ساقول وماذا عن مساء سيأتي بعده ؟
ولكنني أختبأت خلف صمتي ..
فقدت رغبتي في الشجار !!
وكحصان جامح قفز فوق حاجز الصمت الذي أختبيء خلفه ليقول :
-” أنا أبحث عن قليل من الخلوة ..
أريد أن أتوقف في حضرة الصمت ..
لا أريد شيئا أكثر من ذلك .. “

كان يجب أن أنسحب من هذا الحوار الذي يشبه ” وجه المسا الشاحب ” !!
لم أكن أعني له أكثر من الصمت !!
هل تغيرت أنا ؟ أم أنه بدأ يعتقد أن لدي ما هو أكثر من الصمت فأراد أن يبحث عن “مكان” أكثر وحشة وصمتاً مني ؟!!
دفعت بهذا التساؤل في وجهه ..

وكعادتنا حين ” نكذب “.. أندفع يبرر طلبة ..
سبب رغبته في أن يلوذ بالصمت ..
سبب رغبته في أن ” يخنق ” هذا المساء حتى تخرج آخر قطرة ظلام في جوفه !!
كانت كلماته تأتي من كل اتجاه ..
تذكرت ابتسامة الشمس الساخرة وهو يقول :
– “أريد أن أكف عن امتطاء سلاحف بحرية بنية غزو الروم ..
سألون الكون هذه المرة بفرشاة أسناني ،
وأجعل من عود ثقاب ، تذكارا بعد أن أحرق به عالمي ،
أريد أن أعلق ( عظمة ساق كلب ) مكان إشارة مرور
.. سأعاقب أطفالا يلعبون دون أحذية ..
بأن أزدرد أعمارهم وأحياها ..
سأختفي عن أهاليهم مائة سنة ضوئية ،
واعتذر لأهلي عن غيابي ،
بذهابي لشراء وعاء للدمع ، والذنوب المكسوة بالفستق .. “

لم أكن أريد أن يسكت ..
أردت أن يكمل حديثه وهو يعبث بكل شيء ..
ليحول كل هذا المساء إلى لوحة سريالية ..
شعرت برغبة في إستمرارة ..
أردت أن يثقل كاهل هذا المساء بكل التناقضات ..
أردت أن يموت هذا المساء علي يديه ” حيرةً ” !!

وكعادته في قفز حواجز الصمت أكمل على نفس الوتيرة :
-“سأفاوض فيلا الآن لامتطائه وعبور ثقب إبرة ،
سندفع ثمن تذكرة العبور ،
وسأسرق ما دفعته بعد أن نعبر ..
أو على الأقل سأخرب مزرعة خياط يقص ثيابا لموتى آثمون مثلي .. “

بدا لي أني أنا من سيموت حيرة !!
وأن المساء سينجو بفعلته .. وسأدفع أنا ـ كالعادة ـ ثمن حماقات لم أرتكبها !!

لم يتضح لي ماذا يختبيء خلف هذا الهجوم ” السيريالي ” ..
أو لم يكن على لدي القدرة على الاستنتاج ..
سألت بسذاجة لا تتفق مع سيرياليته المفرطه :
– والسبب ؟
– السبب أننا نأتي دائماً متأخرين ..
– عن ماذا ؟
– عن كل شيء .. نأتي متأخرين عن الحب ” بعض ” عمر .. ثم سكت كمن تذكر فجأة أن هذه الكلمة قد ألغيت من القاموس ذات حقيقة !!
– هل هذا كل ما تأخرت عنه ؟
– يا صديقي .. أنا متأخر عن الحياة مسافة عمر كامل !!
– ولماذا هذا المساء بالذات ؟
– ليس وحده .. لكني لم أعد أحتمل .. لم أعد أحتمل السجن داخل قفص ” مثاليات ” صنعته بيدي ..
– هل أنت واثق أنك من صنعه ؟!
– وهل يهم ؟ .. كل الأشياء تتشابه ..
واندفع هذه المرة باسئلة ربما كانت أكبر من أن يحتملها ..
مالذي يجبرني أن أكون صادقاً ؟ ، وكل من حولي يمارسون الكذب ؟!
لم اقف كثيرا عند عبارة ” من حولي ” !!
رغبت فقط في استمرارة ..
وأكمل :
مالذي يجبرني أن أكون متواضعاً حتى مع عامل النظافة الذي بجوار منزلي .. مالذي يدفعني لأن أسلم عليه كل يوم وأحاول إشعاره أنه أكثر أهمية مني ..
هل أفعل كل هذا ليمتهنني الآخرون .. ويحتقروني ويعاملوني كـ” حشرة ” ؟؟!
لماذا اتسامح ؟
هل أفعل هذا لكي أكون ممراً لكل حماقات اللآخرين .. أم لكي أكون حاوية للألم !!
لماذا أحب ؟
هل أفعل هذا لكي أكون مشرداً على رصيف الحرمان لا أجد مكاناً في قلب كي أسكنه ؟!!
لماذا أكون مخلصاً لآخر حتى أكثر من نفسه ؟؟
هل أفعل هذا لأكون مجرد لوح يكتب عليه تفاهاته واتهاماته وحماقاته ؟
سأجمع كل تلك الأوهام .. واحشوها في فم هذا المساء البغيض !!

لم يكن لدي أيه إجابة على كل تلك التساؤلات ..
في الحقيقة لم يكن لدي من الصمت ما يكفي لأجيب !!

لم يكن هناك مخرج سوى العودة لأسئلتي الغبية …
وبسذاجه سألته :
– وما المطلوب مني ؟
– فقط .. ساعدني كي أجتاز هذا المساء بسلام !!

قد يكون من المناسب أن أتقمص دور ” الواعظ الديني ” أمام إنسان لا يعرفني ..!!
لكن قيامي بهذا الدور أمامه هو بالذات سيكون جريمة لا تقل في نظره عن كل جرائم هذا المساء وكل المساءات التي تشبهه !!
هو يعرفني .. ويعرف أني تلك الكتلة من الخطايا والذنوب ..
قدره أن يعرفني .. وقدري أني كذلك !!
كان أسواء ما في معرفتي به أني اسير أمامه عارياً من كل تلك المساحيق والقشور التي نرتديها أمام الآخرين ليعتقدوا أننا أفضل !!

قلت له كمن يريد أن يخرج من مأزق :
– أمر الله من سعه !!
أردد هذه العبارة كثيراً .. لا أعلم ماذا تعني بالتحديد ولكني أحس أني أحتاج لقولها حين أريد لحديث ما أن ينتهي !!
هي “النقطة” التي أستخدمها لإنهاء كل الحوارات التي أجبن عن الاستمرار فيها !!

ولكنها لم تكن بالنسبة له نقطه نهاية ..
ربما كانت النقطة انطلاق لما لم أتوقعه .. وما جبنت عن قوله له !!
قال في هدوء مخيف :
– “هل لي أن أرفع رأسي قليلا يا الله ..
أريد أن أتحدث معك قليلا فقط ..
أعلم أنك تسمعني يا الله ..
سأناديك بنداء أمي ” يا ربي يا حـبـيـبي “
.. هذه المرة سأقوله أنا ..
يا ربي ياحبـيـبي .. ساعدني لأتجاوز هذا المساء ..
ساعدني لأبرم صفـقة النسيان هذه المرة ..
أرجوك يا الله .. أرجوك “

ثم سكت ..
لم تجد نفعاً كل محاولاتي في العثور عليه ..
هل أبرم صفقة النسيان فعلا؟!

شعرت أن المساء ينتحر ..
يموت غيضاً ..
يتململ .. لم يعد يريد أن يستمر !!
هل أنتصر أخيراً على هذا المساء ؟!!
أيقنت أنه فعل ذلك حين رايت المساء يتوارى خجلاً خلف خيوط الشمس !!
كانت الشمس مختلفة ..
لم يكن يعلو وجهها شحوب .. ولا ابتسامة سخرية
كانت مندهشة فقط ..
لم تكن تتوقع أن أحداً يستطيع أن يهزم المساء .. ويبرم صفقة نسيان مع نفسه !!
كانت واثقة أنها لن تغيب .. ولن يكون هناك مساء !!
ربما كانت ثقتها بسبب أنها ايضاً أبرمت صفقة نسيان خاصة بها !!!

بعد البدء :
لم يكن سوى الصمت ..
يملاء المكان ضجيجاً ..
وحزناً جافاً ..

ملاحظة تافهة ـ كيوم سابق ـ وغير مهمة … كيوم سيأتي !! :
حدثني أحدهم ـ مصادفة ـ عن قصص وهمية ساذجة تنتشر “هنا” حين يُكتب موضوع أو نص كهذا ..!

حين قال لي أحدهم ما يشبه هذا .. ربما قلته له ..
“الكاتب” يا سيدي الفاضل ليس سوى “كاذب” استبدل حرف الـ(ذ) بحرف (ت) مسروق من ” تيه ” أحدهم !!

وأقبح ما في الأمر أن يضطر أحدهم لكتابة ملاحظة كهذه !!

سهيل اليماني

Archived By: Crazy SEO .

تعليقات

المشاركات الشائعة